يرى فريق من المتخصصين مرحلة المراهقة بأنها واحدة من
أكثر مراحل الحياة تأزماً، وقد شبهوها بالعاصفة العاتية، وقالوا
معها القول إنه يعيش خلالها حالة من القلق والاضطراب و
الحيرة الشديدة، وما أكثر المراهقين والمراهقات الذين يتعرضون
إلى صدمات نفسية وأخلاقية كبيرة إثر هذه العاصفة، ويتسببون في
مشكلات واحراجات عديدة لأسرهم وللقائمين على أمور التربية.
ولذلك، فإن التوجه أو السلوك الذي يتحرك بدوافع العواطف والأحاسيس
وخاصة فيما إذا كانت تلك التصرفات السلوكية غير منضبطة وليس
لها إطاراً محدداً، هو السبب الحقيقي في حصول الكثير من المشاكل الأخلاقية.
إن ما درجت الأعراف عليه هو إن الأبناء يطعيون أوامر الأبوين
قبل سن المراهقة، ويبدون خضوعهم التام وعدم إبداء ما يدل
على الرفض والمقاومة وحتى في حالة تعرضهم إلى الضرب والعقاب من قبلهما.
إلا إن ماتواجهه الأسرة في مرحلة المراهقة في سلوك الفتاة
ما تعتبر فيه الفتاة المراهقة نفسها قد كبرت ولا تفرق عن
والدتها في شيء، ولابد أن تكون المعاملة معها على نحو آخر.
لذا فإنها لا تعتبر أوامر ونواهي الوالدين على إنها مسلّمات يجب
الالتزام بها، وإنما تعمل فيها فكرها وتتخذ القرار
الذي تقتنع به وإن كان متعارضاً مع رأي الوالدين.
إن سلوك الفتاة المراهقة ينتظم ويتشكل بالتدريج، ويتجه نحو
مدارج النضوج والاكتمال، إلا أن الوصول إلى هذا الهدف
يتطلب فترة زمنية أولاً، وصبر وتحمل أولياء الأمور والمربين ثانياً.
يستحدث عند الفتاة في سن المراهقة، خصوصاً بين سن 12 ـ 13 نوع من الوعي
في مجالات عديدة، أهمها الوعي الديني، والوعي الوجداني، والوعي
الفطري، كما وتتأثر بشكل واضح بأخلاق وسلوكيات الآخرين نتيجة
انخراطها في الحياة الاجتماعية.
إن دخول الفتاة في أوساط المجتمع الغنية بالمحطات والنماذج
الحياتية المختلفة، يبدو في نظرها عالماً جديداً، مليئاً بالأسرار و
المفاجآت مما يضفي عليه عنصر الجاذبية، لذا نرى الرغبة الشديدة في
محاكاة الفتاة بما ينسجم منها مع ميولها ورغباتها
النفسية في حياتها الشخصية والاجتماعية الجديدة.
وبمرور الوقت يتغير سلوك الفتاة المراهقة تدريجياً حتى يصبح في
الحياة انعكاساً لصورة الوضع البيئي الذي يحيط بها، بحيث تلفت
فيها الانتباه بما يطرأ على شخصيتها من تغيرات في علاقاتها
الاجتماعية، ومحاولاتها الحثيثة لمحاكاة الوسط الجديد في السلوك والملبس.
ومن الجدير ذكره، إن عالم المراهقة خصوصاً ما يتعلق منه بالفتيات،
هو عالم الصفاء والنقاء الروحي الخالص الذي لا تشوبه شائبة
، ويمكن ان يبقى كذلك ما لم تلوثه عوامل الانحراف، يقول عالم النفس الغربي موريس دبس
إن أفراد هذه الفئة في سن 15 ـ 17 يهزهم نداء القداسة أو
الشهامة بشدة ويتمنون لو يكون باستطاعتهم إعادة تشكيل
العالم من جديد، ومحو الظلم والسوء منه، وتسييد العدالة فيه.
وهذا هو سر الكثير من الاعتراضات والانتقادات التي يقومون بها
أثر ملاحظاتهم لحالات التجاوز في البيت أو في المجتمع.
تبدأ مرحلة المراهقة بعد اجتياز مرحلة الطفولة، والتي تمثل كما وصفها البعض بأنها الحد الفاصل ما بين الطفولة والشباب، وهي مرحلة على الرغم من قصر مدتها الزمنية عموماً، تكتسب أهمية وحساسية متزايدة، وقد اختلفت وجهات نظر العلماء في تحديد بداياتها ونهاياتها. | |
فقد ذكر البعض أنها تبدأ في سني (9،10،11) واختلفوا في تحديد سنّ اجتيازها، وتراوحت الآراء بهذا الشأن بين سن الـ(16،19،20،21) حتى قيل أنها تنتهي في سن الـ(24)، إلا إن الذي يتفق بشأنه معظم علماء النفس هو أنها تنتهي ويتم اجيتازها بين سن الـ(12 ـ 18). يقول موريس دبس: الواقع هو أن الإنسان يجتاز ما بين سن 12 ـ 18، وبحسب رأي آخرين إلى سن الـ 20، في دورة كاملة من حياته منفصلة عن مرحلتي الطفولة والنضوج، وهذه المرحلة بذاتها لها معاييرها الخاصة بها، وتلعب دوراً مهماً في حياة الإنسان. ويلاحظ في الكتابات الإسلامية أنه قد تم التعبير عن الإنسان في هذه المرحلة العمرية بلفظة (الحدث)، يقول الإمام علي (عليه السلام): (وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية) والحدث بمعنى(الجديد)،أي نقيض القديم، وجمعه (أحداث). وهو لفظ يوصف به الإنسان اليافعأو الصبي قليل السن، وقدر ورد وصفه بالشاب. | |
إلا إن أفضل تعبير لوصف الشخص في هذه المرحلة العمرية هو اصطلاح (المراهق) الذي يستخدمه علماء النفس والتربية، وهو ـ كما يرى الكثيرون ـ أنسب تعبير وفي محله، لأن الشخص في هذه السن لا هو طفل قاصر تماماً وذو رغبات وخصال طفولية من جهة، ولا هو شاب ناضج ومكتمل وبإمكانه أن يكوّن رأياً وكياناً مستقلين في الحياة من جهة أخرى. |